فصل: تفسير الآية رقم (186):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.تفسير الآيات (178- 179):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.
التفسير:
ممّا هو من البر الذي ذكر في الآية السابقة على هذه الآية، أن يأخذ المسلمون أنفسهم بالتطبيق العملي لما فرض عليهم في جرائم القتل، وهو القصاص، وهو قتل القاتل بمن قتل!.
وفى قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى} بيان لتكافئ المسلمين.. فليس حرّ أحسن من حرّ، أو عبد أكرم من عبد، أو أنثى أفضل من أنثى!.
وقد رأى بعض الأئمة الفقهاء أن القصاص هنا إنما يقع بين المتماثلين:
الحرّ بالحرّ، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى.. فلا يقتل الحرّ بالعبد، ولا الرجل بالمرأة!.
وهذا تخريج غير سليم للآية الكريمة.. إذ ليس هذا التقسيم التنويعى للناس، بالذي يوجب التفاضل بين نوع ونوع! ولو كان موجبا لذلك لما كان قتل المرأة بالرجل، ولا العبد بالحرّ قصاصا.. إذ لا بفي دم المرأة- على هذا التقدير- بدم الرجل، وكذلك دم العبد ودم الحرّ!.
وأولى من هذا أن تفهم الآية على وجه آخر.. وهو أن التنويع الذي جاءت به الآية، ليس مقصودا به التفاضل بين نوع ونوع، وإنما المقصود به أولا هو:
ألّا تفاضل بين أفراد الأنواع.. فالحر لا يفضل الحرّ، سواء أكان قرشيا، أو غير قرشى.. وهكذا سائر الأنواع.
فإذا استقام ذلك، وزالت الفوارق بين الناس، في النسب، والدم، والجاه، والسلطان، جمعهم جميعا- أحرارا وعبيدا، ذكورا وإناثا- نسب واحد.. هو الإسلام، الذي اصطبغوا بصبغته وحدها، وتعرّوا من كل نسبة إلا نسبته، وهنا تتكافأ دماؤهم.. الحر، والعبد، والأنثى.. سواء، كما في الحديث الشريف: «المسلمون تتكافأ دماؤهم».
وعلى هذا تقتل النفس بالنفس، أيّا كان جنسها، أو مكانها الاجتماعى.
إنسان بإنسان، وروح بروح.

.تفسير الآيات (180- 181):

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)}.
التفسير:
ومما هو من البر أيضا، التزام هذا التشريع الذي كتب على المؤمنين، وهو الوصية للوالدين والأقربين.. وقد ذكر في الآية (177) أن مما يقوم عليه البر هو إيتاء ذوى القربى، وإذ جاء ذلك مطلقا من غير أن يبيّن، أهو على سبيل الوجوب، أو التطوع، فقد جاء في هذه الآية مبينا بأنه على سبيل الوجوب، إذ كان مما كتبه اللّه وفرضه على المؤمنين.
وقد اختلف في وصف الخير الذي يتركه الذين يحضرهم الموت، من حيث الكثرة والقلة.. والرأى أنه يكون شيئا له وزنه واعتباره، بحيث يكون مما تطمح إليه الأنظار، وترصد مساره النفوس.
وقوله تعالى {الْوَصِيَّةُ} هو نائب فاعل للفعل: كتب عليكم، أي فرض عليكم الوصية للوالدين والأقربين إذا حضر أحدكم الموت.
وقوله تعالى {بِالْمَعْرُوفِ} هو ضبط للمعيار الذي تقوم عليه الوصية، فلا يتحكم فيها هوى، فتميل بجانب، وتخفّ بجانب، أو أن يراد بها الكيد لا البرّ.
وهذه الآية مما قيل إنها من المنسوخ، وأنها نسخت بآية المواريث! ونحن لا نقول بالنسخ، ولا نراه في تلك الآية الكريمة.
فهى برّ خاص بالوالدين، اللّذين قد لا يقوم الميراث بحاجتهما، وخاصة إذا كانا قد تقدمت بهما السنّ، وخلا ظهرهما من الابن الذي كانا يأملانه لكفالة شيخوختهما! وإذا كان ما فرضه اللّه سبحانه وتعالى لهما من ميراث فيما ترك ابنهما هو القدر الذي قضت به الشريعة، كنصيب مفروض لهما، فإن ذلك لا يقضى بحرمانهما من برّ خاص يجيء من قبل الابن، أو الابنة، وهما في حال الحياة، ومن قبل أن يصير ما في أيديهما خارجا عن سلطانهما، ملكا لغيرهما.
وليس تأخير الوصية والبر الذي تحمله إلى ما بعد الوفاة- بالذي يخرجها عن كونها برّا خاصّا، جاء من عمل ابنهما أو ابنتهما، وعن إرادتهما.. فإذا عرفنا- مع هذا- أن الوصية محددة القدر، وأنّها، لا تتجاوز بحال ثلث التركة- كان القول بنسخها قطعا لآصرة المودة والبر بالوالدين، هذا البرّ الذي يرى فيه الولد- وقد أحسّ دنوّ أجله- شيئا من العوض عما فاته من برّ والديه، وقد قضى الموت قضاءه فيه قبلهما، ثم إن هذا البرّ قد يكون شيئا رمزيّا، لا يراد به إلا التعبير عمّا للوالدين من حقّ قبل ولدهما، إذ لم يكن ما يوصى به مقدورا بقدر معيّن من المال! هذا في الوصية للوالدين.
أما الأقربون، فإن كانوا ورثة كالزوجة والابن وغيرهما، فشأنهم شأن الوالدين، في إطلاق إرادة المورث، المشرف على الموت، أن يوصى لمن شاء منهم- في حدود الثلث- بما يراه، ليسدّ حاجة يراها المورث في ورثته، كأن تكون الزوجة مريضة، أو يكون أحد الأبناء ذا عاهة أو نحو هذا.
فإن كان الأقربون غير ورثة، فإطلاق إرادة المورث بالوصية لهما بشيء مما سيترك، أوجب وألزم.. إذ يرى أنهم- وهم ذوو رحمة- محرومون مما ترك للورثة من أقاربه! فالوصية- على هذا التقدير- ليست إلا استثناء من حكم عام هو الميراث، وبهذا الاستثناء تعالج الثغرات التي تظهر في الحكم العام عند تطبيقه، الأمر الذي لا يخلو منه حكم عام! وفى قوله تعالى: {بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} حراسة مؤكدة على هذا الاستثناء من أن يجوز على الحكم العام أو يعطّله..! وبهذه الحراسة المؤكدة تكون الوصية دعامة قوية يقوم عليها الميراث، وتكمل بها جوانب النقص الذي قد يكون فيه، في أحوال وظروف خاصة، يترك تقديرها للمورث، ولما في قلبه من تقوى، خاصة وهو على مشارف الطريق إلى اللّه.
وقوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} الضمير في {بدّله} يعود إلى قوله تعالى {خَيْراً} أي فمن بدّل في هذا الخير المسوق إلى الموصى إليهم من الموصى، بأن زاد أو نقص فيما سمع من الموصى، فإن إثم ذلك التحريف والتبديل واقع عليه.. فليحذر شاهد الوصية أن يشهد بغير ما سمع: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قد سمع ما نطق به الموصى، وعلمه وشهد عليه.. ومخالفة شاهد الوصية لما أوصى به الموصى، هو مخالفة لما سمعه اللّه وعلمه، وشهد به.
والحديث المروىّ: «لا وصية لوارث» حديث غير متواتر، لا ينسخ به حكم من أحكام القرآن.

.تفسير الآية رقم (182):

{فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}.
التفسير:
بعد أن أثّم اللّه سبحانه وتعالى الذين يحرّفون الوصية على غير ما أراده الموصى ونطق به، كان مما قضت به حكمة الحكيم العليم أن يقيم الوصية على العدل، وأن يحمى هذا البر من أن يدخل عليه ما يجعل منه أداة للظلم، وطريقا إلى الإثم.
فقد يركب الموصى رأسه، فيتخذ من الوصية سلاحا يضرب به في عصبية وعمى، فيعمل على حرمان بعض أصوله أو فروعه، على حين يعطى بغير حساب من تقع عليه مشيئته منهم.. وفى هذا ما فيه من تقطيع أو أصر المودة والرحمة بين ذوى القربى.
ولهذا جعل اللّه لشاهد الوصية جانبا من المسئولية فيها، وفى إقامتها على العدل والخير والمعروف. فهو- أي الشاهد- مطالب بأن يؤدى الشهادة في الوصية على وجهها، إذا كانت محققة للعدل والخير والمعروف، فإن حرّف أو بدل، اتباعا لهوى، أو ميلا إلى ذى قرابة أو صداقة، فهو آثم، يلقى من اللّه جزاء الآثمين، فإن كان التحريف أو التبديل لسدّ خلل في الوصية ولإقامة ميزان العدل فيها فإنه لا بأس حينئذ منه.
ولما كان هذا التبديل خروجا على الأصل، فهو في حكم ما أبيح للاضطرار، ينبغى الأخذ منه بالقدر الضروري، وبحذر وحرج معا، إنه أشبه بعملية جراحية، لا تتعدى العضو الفاسد، وإلا كان الخطأ والخطر، وكان اللوم والمؤاخذة!.
وفى قوله تعالى: {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ} إشارة صريحة إلى الطريق الذي يلتزمه شاهد الوصية، إذا رأى أن يعدّل من صورتها، وهو الصلح بين ورثة الموصى وقرابته، بحيث يكون حظهم مما ترك مادة خير لهم، لا مصدر شقاق وفرقة.
وفى قوله سبحانه: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} إشارة رفيقة إلى أن ما يفعله شاهد الوصية من تبديل، في الحال التي يعالج ما بها من عوج، ليس من باب اكتساب الثواب، وحسبه إن هو أحسن ووفق أن يخرج معافى، لا له ولا عليه!.
{فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} وفى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إشارة ثالثة إلى أن ما فعله شاهد الوصية في هذا الموقف أمر ترجى له المغفرة والرحمة من رب غفور رحيم، إذ كان داعيته البر والخير، وكانت النية القائمة وراءه الإصلاح بين الناس، فهو والأمر كذلك أشبه بمعصية، ترجى لها الرحمة والمغفرة، فإنّ الكذب هو الكذب، حتى ولو كان في سبيل البرّ والخير.. ولكنه في هذا المقام متسامح فيه بالقدر الضروري، كما يتسامح في أكل الميتة ولحم الخنزير وغيرهما من المحرمات عند الاضطرار!

.تفسير الآيات (183- 184):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}.
التفسير:
فى آية البر (177) لم يذكر الصوم فيما ذكر من شعائر البر، ولكن قد أشير إليه ضمنا في قوله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} إذ كان الصوم مما يدخل في دائرة الصبر.. بل هو الصبر نفسه.
وفى هذه الآية بيان لفريضة الصوم ووقتها وأحكامها، كما ذكر، في الآيات التي قبلها من أعمال البر: القصاص في القتلى، والوصية عند الموت، وهما أمران يستندان إلى الصبر، وكما سيذكر بعد ذلك الجهاد في سبيل، وهو أمر لا يقوم إلا على الصبر.
وفى قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} بيان لمن أبيح لهم الخروج من هذا الحكم العام الذي دخل فيه المسلمون جميعا، وهو وجوب الصوم.
ويقال: طاق الشيء يطوقه طوقا وطاقة، وأطاقه إطاقة إذا قوى عليه، وطوّقه تطويقا ألبسه الطوق، يقول اللّه تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [180 آل عمران] ومعنى هذا أن الذي يطيق شيئا إنما يعطيه طاقته، أي كل قوته، وهذا لا يكون إلا مع الأمر الشاق، الذي لا يقدر علية إلا بجهد ومشقّة.
والذين يطيقونه هم الذين يرهقهم الصوم، ويبلغ بهم المشقة والجهد، كالمريض مرضا ملازما، وكمن دخل مرحلة الشيخوخة، وكبعض الحوامل اللائي يعانين من حملهن ما يلزمهن نظاما خاصّا في التغذية.. وهكذا كلّ من خرج بناؤه الجسدى عن حد الاعتدال، فلا يستطيع الصوم، وإن استطاعه وجد المشقة والحرج، فلهؤلاء أن يفطروا، فقد رفع اللّه عنهم الحرج بقوله تعالى: {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [78: الحج] وبقوله سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}: (286: البقرة).
والفدية هي ما يفتدى به المفطر الذي أباحت له حاله الجسدية الإفطار، وهو ما يقدمه كفّارة عن إفطاره، كما بينه اللّه تعالى في قوله: {طَعامُ مِسْكِينٍ} أي عن كل يوم.
وقوله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} ترغيب في عمل البر والاستزادة منه، فإذا جعل اللّه سبحانه الفدية الواجبة هي طعام مسكين، فإنما ذلك رحمة بعباده ورفقا بالمعسرين منهم، وتمكينا للفقراء أن يلحقوا بالأغنياء، بتقديم هذا القربان إلى اللّه، وبالمشاركة في البر والمواساة، ثم إن باب التطوع متسع مع هذا لمن تسخو نفسه بالبذل، وتسمح يده بالعطاء: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}!.
وفى قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ما يضبط ميزان الاتجاه إلى الإفطار عند ذوى الأعذار. فلا يميل بهم إلى التفلّت من الصوم، مع الجهد المحتمل، ومع المشقة الممكنة، فالصوم تكليف، ولكل تكليف أعباؤه ومشقاته، وإلا لما كان ثواب وجزاء.. فترجيح جانب الصوم على جانب الإفطار مع الفدية ومع قيام العذر- من شانه ألا يجعل للأعذار الواهية مدخلا للترخص في هذه العبادة، والتحلل منها لأقل مشقة وأقل جهد.

.تفسير الآية رقم (185):

{شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}.
التفسير:
اقتضت حكمة اللّه تعالى، إذ فرض على المسلمين الصوم أن؟؟؟
له خير وقت بالنسبة لهم، وهو شهر رمضان، ذلك الشهر الذي بدأ فيه نور القرآن، وافتتحت فيه طريق الرسالة الإسلامية بين السماء والأرض، تتنزل أنوار الهداية والرحمة، فكان اتصال المسلمين باللّه في هذا الشهر، والتقرب بالصوم فيه، أنسب وقت وأعدله، لإفاضة المشاعر الكريمة، وإيقاظ الأحاسيس السامية في الإنسان، ليخلص وجهه للّه، وليصفّى روحه من دخان المادة وغباره؟؟؟
وفى قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} إشارة إلى معنيين أولهما مشاهدة الشهر ورؤيته، واقعا أو حكما، وثانيهما الحضور، من غير مرة؟؟؟
أو سفر.
وقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ} معطوف على مقدر محذوف بعد قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} أي أن اللّه يسّر لكم هذه الفريضة، وقرنها بما يدافع المشقة والحرج عنكم لتؤدوها ولتكملوا عدتها، ولتكبروا اللّه وتشكروه على أن هداكم ووفق لأداء هذه الفريضة، وتعرضكم لما أعدّ اللّه من ثواب عليها.

.تفسير الآية رقم (186):

{وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}.
التفسير:
جاءت هذه الآية بين الآيات الشارحة للصوم وأحكامه لتلفت الصائمين إلى ما هم عليه في تلك الحال من صفاء روحى يدنيهم من اللّه ويجعلهم أكثر استعدادا للاتصال به.
فاللّه سبحانه وتعالى دائما أبدا أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، ولكن الإنسان هو الذي تختلف أحواله، مع اللّه، فيدنو أو يبعد، ويتصل أو ينقطع حسب إيمانه به، وطاعته له، ورجاءه فيه.. والإنسان في شهر الصوم مهيأ للقرب من اللّه، مستيقظ المشاعر والأحاسيس لمناجاته.